جريدة أحرار مصر

السبت, 2024-05-18, 11:13 PM

أهلاً بك Guest | RSS | التسجيل | دخول

رئيسية جريدة أحرار مصر » قسم : أقلام مضيئة » فئة : د.طارق النجومي [ إضافة مقالة ]

د. طارق النجومى يكتب: وبحب الناس الرايقة اللي بتضحك على طول.


فتح عينيه.. يا الله.. بدأ يوم جديد.. أصبحت تلك اللحظة أسوأ أوقات يومه.. وقف أمام مرآة الحوض يغسل وجهه.. نظر إلى نفسه.. يحزنه تلك النظرة.. لا يعرف ما هي..؟؟ أهي نظرة غيظ أم نظرة كراهية..!!

كم احتار فى نظرة عينيه تلك..؟؟

جافته نظرة الرضا التى كان يراها فى عينيه لنفسه وحلت مكانها تلك النظرات التى يتعذب بها وأصبحت تؤرقه.. تمارس عليه سادية التعذيب.. هجرته السعادة والسكينة منذ زمن بعيد.. منذ سنوات يعايش أحداثا لا تترك له بصيصًا ليتنفس الفرج والإحساس بالراحة.

انقطع تأمله بدخول ابنه وائل عليه.. بابا لو سمحت مش معقول إصرارك ورفضك للدروس الخصوصية.. ياوالدى .. ياحبيبى .. الدنيا اتغيرت والدروس فى الجامعة بقت هى العادى وغير كدة مش عادى.

هز رأسه بيأس وهو يحلق ذقنه وما زالت تلك النظرة لا تريد أن تعفو عنه وتشيح عنه بعيدا.. جاء إليه صوت زوجته.. ياللا خلص بسرعة.. الشاي قرب يبرد.. مسح وجهه وصلى الصبح سريعا ثم قام بارتداء ملابسه فى ثوان معدودة.

وهى فى طريقها لباب الشقة.. معلش الساندوتش من عيش إمبارح.. الهباب البواب بعته يجيب عيش وفول وطعمية مارجعش لغاية دلوقتي.. خرجت ابنته وهي تبدو متعجلة وتمسك فى يدها كوب النسكافيه.. صباح الخير يابابا.. ماتنساش الطلبات اللى طلبتها منك من يومين.. هز رأسه وهو يبتلع ما في فمه من طعام لا يجد له طعما.. ماشي مع السلامة.. ما تتأخريش.

أمام باب المصعد وجد جاره مينا يقف أمامه.. صباح الخير.. هز الرجل رأسه وهو يفتح باب المصعد بدون أن ينظر إليه.. كلما وقع حادث يزداد وجه جاره عبوسا.. طيب أنا مالى باللى بيحصل..؟؟

انطلق السائق بالسرفيس وكأن به مس.. يتجاوز السيارات من اليمين واليسار.. السيارة تتأرجح للأعلى والأسفل من مطبات الطريق وتثير غبارا يكتم الأنفاس.. اتسعت عيناه من الفزع بعد أن كادت السيارة تدهس طفلا كان يعبر الطريق والسائق يشيعه بكلمات سباب نابية أصبحت عادية من كثرة تعود الناس على سماعها فأصبحت لا تثير فيهم شيئا!..

صعد سلالم محطة مترو فيصل فى زحام من البشر وكأنه قطعة صغيرة من الحطب يجرفها ماء السيل مع آلاف من قطع الحطام.. انحشر فى عربة المترو بالكاد يأخذ نفسه بين وجوه عابسة وسكون قاتل، فالكل صامت عاقدا حاجبيه.

جلس أمام الشباك فى البنك الذى يعمل فيه.. كان البنك مزدحما.. اصطف الناس أمامه فى طابور طويل.. أحدهم للرجال وآخر للنساء.. بدأ عمله الروتيني اليومي الذي مل منه الملل.. يؤديه بعيون ذابلة وبلا روح.

وجد أمامه رجلاً عجوزاً منحنى الظهر حفرت السنون فى وجهه علامات وخطوط غائرة وكأنها تنتقم منه..!! مد يده ليأخذ الأوراق منه.. وقبل أن يلمسها صاحت المرأة التى بجواره.. جرى إيه يا أستاذ هو أنت هتمشى الناس على كيفك أنا اللى عليَّ الدور.. امرأة تبدو فى الأربعين ممتلئة الصدر يظهر أعلاه من بين الأزرار التى تركتها مفتوحة.. وقبل أن يرتد بصره عنها صاحت بصوت مرتفع.. هو كدة الستات واقفة فى زوركم.. كل واحد مراته مطلعة عينه ييجى يطلعهم علينا.

أسقط فى يده.. وقفت الكلمات فى حلقه وزاغت نظرات عينيه..أسعفه زميل له جاء وربت على كتفه برفق.. اتفضل أنت هقعد مكانك.. غادر الرجل سريعا..أحس بأن كرامته قد أهينت.. شعر بحرارة شديدة تصعد إلى رأسه وضغط شديد وراء أنفه.. غسل وجهه.. مد يده ليخرج منديلا.. تعثرت بشريط دواء فى جيبه.. أهذا وقته ليتذكر هذا الأمر أيضًا..!!

أصبحت علاقته بزوجته تأخذ من ماله وإحساسه بكرامته فى كل مرة يلتقيان فيها.. لا يعاني من علة.. ولكنها كروب الحياة تجمعت عليه من إحساسه الدائم بالإحباط وعدم الرضا وإهمال زوجته لنفسها مع مرور الزمن.. فكيف يكون كما كان..!! تذكر كلمات المرأة إليه منذ لحظات.. لم يعد يدري هل كانت صادقة فيما قالت.. هل تعمد تجاوزها..

مرة أخرى فى محطة المترو.. جلس فى مقاعد الانتظار..الوجوه العابسة التى قابلها فى الصباح أصبحت متجهمة.. أمسك بالجريدة يتصفح العناوين.. وصل عدد المواطنين الذين قاموا بإحراق أنفسهم إلى أربعة مواطنين حتى الآن.. يشعر بالأسى على هؤلاء الناس كما يشعر بالأسى على نفسه وعلى أولاده الذين لا يشعر بأن لهم مستقبلا واضحًا فالكثير من الشباب فى البناية والعديد من أبناء أقربائه تخرجوا فى الجامعة وجلسوا بجوار أهلهم مما أورثهم إحساس العجز والقهر.

تلفت حوله لاحظ شيئا غريبا.. محطة المترو ليست مزدحمة كما هو المعتاد فى ذلك الوقت.. سأل رجل يجلس بجواره عن السبب.. بدون أن يلتفت إليه.. النهاردة 25يناير..الناس عاملة مظاهرة فى ميدان التحرير.. مظاهرة..!!؟

أخذت الكلمة ترن فى أذنه كأنها دقات فوق رأسه.. قطع تفكيره قدوم عربة المترو.. رغم أن كراسى العربة كانت خالية فقد ظل واقفا.. يحس بأن جسده يهتز ولا يستطيع أن يسيطر على نفسه.. تنبه على صفير وقوف المترو فى إحدى المحطات.. محطة السادات.

وجد عضلات وجهه تنقبض..أحس بطاقة كالنار تشتعل فى جسده..ألقى الجريدة ووجد نفسه يقفز من العربة خارجًا.. عندما خرج إلى الميدان هاله منظر الآلاف المؤلفة من البشر.. سمع الهتافات تصم الآذان.. تغير.. حرية.. عدالة اجتماعية.. وجد نفسه يهتف بأعلى صوته مع الهاتفين.. أحس بقهر سنوات طويلة يخرج من صدره.. شعر بقوة هائلة تسري في جسده.

شاهد أحدهم على مدى البصر محمولا على الأكتاف يهتف بحرقة.. اتسعت عيناه من الدهشة.. ابنه وائل..!! لا يصدق ما يرى..!! امتلأت عيناه بالدموع فضاعت ملامح الوجوه والأجسام وامتزجت في كيان واحد.. علت الأصوات كأنها هدير مزلزل تكاد الأرض تهتز من قوته.

في المساء جلس يروي لزوجته ما حدث في هذا اليوم.. لا يكاد يصدق ما مر به من أحداث.. لا يصدق أنه هو من كان يهتف فى الميدان.. لأول مرة يحس أنه فخور بنفسه وبأولاده.. عندما وقف في الصباح يغسل وجهه أمام المرآة ابتسم سعيدا، فقد وجد نظرة سعيدة واثقة.

تذكر ليلته.. لأول مرة منذ سنوات لا يحتاج لدواء ليلتقي بزوجته.. عندما تناول المنشفة ليجفف وجهه كان صوت دندنته يتصاعد عاليًا.. وبحب الناس الرايقة اللي بتضحك على طول.
Bookmark and Share
الفئة: د.طارق النجومي | أضاف: طارق_النجومي (2011-02-27) | E
مشاهده: 410 | الترتيب: 0.0/0
مجموع التعليقات: 0
إضافة تعليق يستطيع فقط المستخدمون المسجلون
[ التسجيل | دخول ]

بحث

قائمة الموقع